السبت، 26 أبريل 2014

جهود النصارى لتنصير جزيرة العرب(2)

جهود النصارى لتنصير جزيرة العرب (2)

الطبيب شارون توماس يتحدث عن تجربته في مطرح بعمان العام ١٩١٢: مدينة طيبة...كأنها الوطن!
على الرغم من أن الطبيب شارون توماس كان عضوًا بارزًا في الإرسالية الأميركية، يستطيع في أحيان كثيرة اختيار الأماكن والمهمات لتنفيذ أعمال الإرسالية، إلا أنه كان يفضل عمان دائماً. فمع بداية هذا القرن، كانت مسقط وبقية المدن والقرى العمانية ساحة لاكتشافات رجال ونساء الإرسالية الأميركية. وبهذه الاكتشافات انشغل الطبيب توماس وانغمس أكثر، لكنه اختار مدينة مطرح لأسباب كثيرة، يشرحها في تقرير كتبه في أيلول /سبتمبر من العام ١٩١٢ ، يقول فيه:
لقد كنا مسرورين جدًا لعودتنا، وأكاد أقول إلى الوطن، إلى مطرح حيث يوجد عملنا. فعندما نلاقي الوجوه المألوفة مرة أخرى، تلك الوجوه التي تعلمنا حبها، فإنه ليس من الصعوبة التفكير في أن هذا الوطن، حتى لو وجدنا أنفسنا مرارا نفكر في العزيزة ميتشغان، كوطن أيضًا.
إنني أعرف أن الكثيرين لم يسمعوا عن مطر ح، ويرجع ذلك، جزئيا، إلى أنها مكان عمل جديد نسبيا بالنسبة إلى الإرسالية، وإلى أننا عادة نتكلم عن عملنا الرئيس في مسقط التي تبعد عن مطرح ثلاثة أميال فقط.
وعندما نتحدث عن مسقط ومطر ح، فيمكن القول إن مسقط هي عاصمة عمان، وبها يسكن السلطان ويجمع القناصل الأجانب، وبها القنصليات البريطانية والفرنسية والأميركية، ويوجد بها أيضًا مكاتب البريد والبرقيات. ولكن، تجاريا، فإن مطرح، أكثر أهمية من مسقط. فجميع القوافل التجارية تبدأ وتنتهي في مطرح، ويكتظ ساحلها بعشرات القوارب العاملة في التجارة والصيد.
وأتذكر أنه عندما بدأنا عملنا الطبي والتبشيري والرحلات إلى داخل عمان، كان على العاملين في مسقط المجيء إلى مطرح بواسطة الحمير أو الجمال، ومنها يبدؤون رحلاتهم، وفيها يستريحون بعد عودتهم من عناء الرحلات الطويلة والمملة في الجبال.
وفي الواقع، يمكن كتابة الكثير عن مدينة مطرح، لكنني سأكتب هذه المرة عن الناس فيها. إن أهالي المدينة ينقسمون إلى ثلاث فئات متباينة جدا، وواضحة لأي مقيم أو زائر. وهذه الفئات هي :العرب، وهم المواطنون من عمان ومن زنجبار. البلوش من بلوشستان. ثم الهنود المعروفون ببشرتهم السمراء.
وفي الواقع، فإن العرب هم أفضل الفئات التي تعيش هنا. كما أنهم أفضل الأجناس ودية، ويمكن العمل معهم. وعلاوة على ذلك، فهم كرماء إلى أبعد الحدود ويقدرون كثيرا الأعمال المفيدة في مدينتهم. والكثير من النساء العربيات في مطرح لا يلبسن الحجاب، وقد وجدناهن متفتحات بنسبة تفوق كثيرًا تفتح النساء العربيات في بلاد عربية أخرى، كما أنهن يتمتعن بالذكاء.
أما البلوش، فهم أفقر طبقة في مطرح، إذ أن معظمهم يعملون كحمالين. والعمل وسط البلوش مريح جدا، خاصة إذا كانوا يعرفون اللغة العربية، ولكن الكثير منهم لا يعرفونها.
وفي الحقيقة، فإن العمل بالنسبة إلينا في مطرح، ليس هو بالعمل الصعب الشائك، ولكنه ليس بالعمل السهل أيضًا.
ويتكون عمل الإرسالية في مطرح من مستوصف صغير(1)، ويعمل معي اثنان من المساعدين من أفغانستان، لديهما روح تبشيرية كبيرة. ونتوقع، خلال فترة قليلة، وصول مساعد ثالث من مسقط، كان يعمل بائعًا للكتب، لبعض الوقت. وقد تعرفت إليه في مسقط، وهو شاب متحمس جدا، ويعمل بنشاط ملحوظ. وبعد عودتي إلى مطرح، عرفت أنه سافر إلى البصرة، وتزوج. لكنه عاد إلى مسقط في صحبة عروسه، وهي فتاة صغيرة، متخرجة في مدرسة الإرسالية الأميركية في مدينة الموصل بالعراق.
ومن الناحية الطبية، فإنني أعتبر مطرح أفضل مركز عملت فيه. فالناس يبدون إيمانا كبيرا بنا، وبدورنا وبأدويتنا، كما أنهم يظهرون استعدادا جيدا لتتبع إرشاداتنا في العلاج عندما يكونون مرضى. وفي معظم الأيام، فإنهم يأتون إلينا بأعداد كبيرة.
وفي الوقت الحاضر، نقوم في هذا المستوصف الصغير في مطرح بمعالجة ما بين سبعين إلى ثمانين مريضًا في اليوم، ويزداد العدد مع الوقت.
وعلاوة على ذلك، فنحن نتوقع أن يتضاعف العمل الطبي مع بداية الصيف، وذلك لأن الكثير من العمانيين يأتون إلى مطرح من مدنهم وقراهم للعلاج.

ــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: صدمة الاحتكاك للأستاذ خالد البسام.

(1) لاحظ أن الطريقة التي يستخدمها النصارى لتنصير غيرهم من أتباع الديانات الأخرى هي استغلال حاجتهم ومن ذلك حاجتهم الماسة للعلاج والدواء وهو ما أشار إليه الدكتور عبدالرحمن السميط رحمه الله.

الأحد، 13 أبريل 2014

إبراهيم أبو ساق...بائع البيتزا

إبراهيم أبو ساق...بائع البيتزا الذي أصبح محاضراً *
منذ أن وطئت قدماي مانشستر البريطانية واسمه يتردد على مسامعي. فلا يخلو أي لقاء مع سعودي دون الإشارة إليه تصريحا أو تلميحا. يتحدثون عنه بزهو لا مثيل له. فهو أستاذ في جامعة مانشستر، التي حصل 25 من أعضاء هيئة تدريسها وطلابها على جائزة نوبل. وشخص نذر نفسه لخدمة أي طالب سعودي يدلف إلى مكتبه أو يبعث برسالة إلى بريده الإلكتروني. أحبه أبناء جلدته لي لكونه متجاوبا معهم فحسب، بل لكونه مبادرا لكل ما من شأنه تنميتهم.
أقام العديد من الندوات للسعوديين بمجهود شخصي. دعا زملاءه البريطانيين لإلقاء محاضرات على الطلبة في مجال النشر العلمي وأساليب البحث. استفاد من محاضراته المئات.
بذل الكثير في الظل دون أن يتسول اهتماما إعلاميا أو تغطية صحفية. لم يبحث عن مجد شخصي بل عن نجاح يحققه مواطنوه في مشوارهم العلمي.
الدكتور إبراهيم شرفي أبو ساق شخصية استثنائية في عطائها وعصاميتها. شخصية تأسر من يتابعها إثر ما تقدمه لوطنها بسخاء.
أبو ساق الحاصل على الدكتوراه من جامعة نتونجهام. بدأ دراسته العليا في التسعينيات دون منحة تعليمية، معتمدا على دعم والده وإخوته. عمل بائعا في مطعم (بيتزا هت) لتغطية مصاريفه الدراسية وتكاليف المعيشة. ثم عمل في مكاتب استشارية متعددة بأجر زهيد بحثا عن خبرة يضيفها إلى رصيده العلمي. بعد حصوله على الدكتوراه تلقى عرضا للتدريس في الجامعة التي تخرج وتدرب فيها. استمر فيها فترة غير قصيرة ثم انتقل لجامعة (هل) حتى استقر به الحال في جامعة مانشستر.
يمتاز الدكتور إبراهيم بجلده البحثي. فلديه العديد من المقالات العلمية المنشورة والكتب. شارك في الكثير من المؤتمرات والملتقيات الدولية متحدثا رئيسا.
والجميل أن النجراني النبيل مازال يسكن روحه دون أن يذره رياح الغربة. ففي حديثه تشتم رائحة (المرضوفة)، و(الحميسة)، و(العصيدة). في حين ابتسامته تنقلك في رحلة مباشرة إلى صاغر وحبونا. يتذكر الصحفي النابه، مسلي آل معمر، لقاءه الأول بالدكتور إبراهيم الصيف الماضي في شمال إنجلترا قائلا: (خنقتني العبرة عندما ودعته. كان كريما أكثر مما ينبغي).
لم يكن مسلي وحده الذي خرج بهذا الانطباع. أنا غادرته نادماً؛ لأنني لم أحضنه وأسجل امتناني له كما يجب. فقد سحرني تواضعه وانضباطه. كان موعدنا الساعة الثانية عشرة ظهراً. جاء في الموعد تماماً. لم يتقدم ولم يتأخر. وصل حاملاً ابتسامة عريضة. كان حديثه منظماً متدفقاً كأنه يقرأ من ورقة. انتهى الوقت لكن لم ينته حديثنا الذي أداره بجدية البريطانيين وحميمية السعوديين.
يقول الطالب الاسكتلندي ديفيد بيرد الذي درسه أبو ساق قبل أشهر عدة في صفحته بتويتر: (السيد أبو ساق من المحاضرين الممتعين. تنتهي محاضرته بسرعة وتتمنى ألا تنتهي).
تجربة أبو ساق المثيرة والناجحة في التدريس في أحد أهم الصروح العلمية البريطانية تؤكد حقيقة أنه لا مستحيل أمام من يأمل ويعمل. لا مستحيل أمام المثابرة والمحاولة. فها هو أحد أبناء وطني يأتي إلى المملكة المتحدة طالبا، ولا يلبث أن يصبح فيها أستاذا ومحاضرا يشار إليه بالبنان.
لدينا الكثير من المدهشين في مجالات متفرقة. لكننا لا ننتبه لهم سهوا تارة وعمدا تارة أخرى.
مشكلتنا الكبيرة أننا نصفق كثيرا للاعبي كرة القدم، وننسى أن نصفق ولو قليلاً للعلماء والباحثين، ثم نتساءل: لمَ نحن متخلفون عن ركب الحضارة؟

ــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: مضاد حيوي لليأس لـ عبد الله المغلوث.

*بتصرف.