جهود النصارى لتنصير جزيرة العرب (1)
في هذه السلسلة سنذكر عددا من القصص التي جمعها الأستاذ/خالد البسام
في كتابه (صدمة الاحتكاك) حيث سلط فيه الضوء على جهود النصارى وخاصة الإرسالية
الأمريكية في محاولة تنصير الخليج العربي والجزيرة العربية بالتحديد والتي اتخذت
من البصرة مركزا ومنطلقا لها.
ما يدفعنا لنشر هذه القصص هو ما أصبحنا نراه من نتائج لها على الأرض
بعد كل هذه السنوات مع اختلاف طرق التنصير حاليا مع الثبات على الهدف وهو تنصير
أبناء المسلمين. وأشير هنا إلى أن تأثير هذه الحملات ليس محصورا في التنصير ولكنه يشمل أيضاإبعاد أبناء المسلمين عن دينهم وتحويلهم لملحدين لا يؤمنون بشيء، لا يعترفون برب ولا يصدقون رسولا ويظنون أنهم يحسنون صنعا. وإن هذا مما يشير إلى تعاظم تأثير حملات التنصير هذه مستقبلا
ولذلك كلنا مسئولون عن تحصين أبنائنا وربطهم بدينهم وإزالة الشبه عنهم.
فإلى أول قصة من هذه القصص...
الطبيبة اتش.ورال تزور
مدينة العِمارة العراقية العام 1914م:
مع بداية العام ١٩١٠،
انطلقت أولى رحلات الإرسالية الأميركية من المركز الرئيس لها في العراق، مدينة البصرة، إلى مدن العراق الأخرى.
ومع هذه البدايات، سارت عشرات الحمير والجمال، وقطعت آلاف الأميال، وأبحر الكثير من القوارب الصغيرة في نهري دجلة والفرات، ومعها الصناديق الطبية وعشرات النسخ من الكتب المسيحية، وكلها ذاهبة إلى قرى ومدن جديدة، لم يعرفها رجال الإرسالية من قبل في العراق.
وفي منتصف شهر تشرين الأول/ أكتوبر من العام ١٩١٤، سافرت المبشرة والطبيبة
الأميركية اتش. ورال إلى مدينة العمارة، الواقعة على نهر دجلة، وكتبت عنها قائلة:
عند الساعة العاشرة وخمس وأربعين دقيقة صباحًا، سمعنا بأن باخرة النهر ستغادر البصرة في الواحدة ظهرًا. كان السؤال الذي طرحناه على أنفسنا هو:هل نستطيع تجهيز أمتعتنا، والركوب في الباخرة خلال ذلك الوقت القصير؟
ولمعرفتنا بأن الأمور لا تسير دائمًا ضمن برامج أو مواعيد محددة في الشرق، وجدنا أنه في استطاعتنا اللحاق بالباخرة في موعدها. ولم يمض وقت طويل حتى كنا في مكتب التذاكر عند الواحدة، وأخبرنا بان الباخرة لن تغادر إلا بعد ساعتين!
وبالطبع، استغل زوجي فترة الانتظار، فقام باستبدال النقود التركية بالروبيات الهندية. ثم ذهب إلى مبنى الجمارك لاستطلاع إمكانية أخذ بعض الأدوية المحتجزة معنا في الرحلة، والموجودة هنا منذ يومين. وكان زوجي قد حاول بشتى السبل والأساليب، في اليومين الماضيين، استخراج هذه الأدوية، ولكن دون فائدة، فقد عرف، متأخرا ، أن يومين من المحاولات ليسا وقتًا طويلا لاستخراج ما يريده الإنسان من الجمارك التركية في
البصرة.
ولكنه حاول، في خلال هاتين الساعتين، عمل كل شيء. وفعلا، كانت الصناديق جاهزة للاستخراج، وكل ما يحتاج إليه هو مجرد تواقيع فقط. لكن حظه أوقعه في قبضة ضباط أتراك جدد، لا يعرفون أسعار البقشيش المتعارف عليها في الجمارك! لذلك، تخلى في النهاية عن الأدوية، ووجدنا أن الحقائب الطبية الصغيرة، الموجودة لدينا، تفي بالغرض المطلوب.
وكان الأمل في أن يستطيع أحد مساعدي الإرسالية في البصرة، والذي يتابع موضوع الأدوية في الجمارك مع زوجي، أن يستمر في المحاولة، ثم ترسل الأدوية، في اليوم التالي، في الباخرة القادمة.
ومضت الساعتان من الانتظار، ثم أصبحتا أربع ساعات، وكان الجو حارًا ومرهقًا، ولم تكن هناك أي نسمات باردة على الإطلاق، على الرغم من أننا في شهر تشرين الأول / أكتوبر.
ولكن في النهاية، وعند غروب الشمس، بدأنا الرحلة إلى العمارة. وطول الطريق عبر النهر، كانت البصرة جميلة، كعادتها، وبدت بساتين النخيل الجميلة، التي امتلأ بها الطريق، إلى العمارة، رائعة حقًا.
ثم حل الظلام، وجاء وقت العشاء. وعندها، جلسنا نتناول الطعام على ظهر السفينة. ولأننا لم نجد، بعد ذلك، أنوارًا أو ضوء القمر، ذهبنا بسرعة إلى النوم.
وعلى الرغم من أن كابينة الباخرة كانت صغيرة جدًا، ولا تتسع إلا لسرير صغير واحد، إلا أننا ذهبنا في نوم عميق، تخللته أحلام لا تخطر على البال، لم يقطعها سوى زورق الباخرة الصغيرة، الذي ارتطم في زاوية صغيرة عند انعطاف النهر.
وبعد قضاء ليلتين كاملتين، وصلنا إلى المكان المطلوب، إلى مدينة العمارة.
وفي العمار ة، تلقي جميع بواخر النهر بمراسيها على الشاطئ بشكل قريب جدا، بحيث يستطيع الإنسان السير على لوح من الحديد، من الباخرة حتى اليابسة.
وعندما نقارن مسألة النزول إلى اليابسة في العمارة بالنزول في البحرين، فسوف نجد فارقًا كبيرًا. ففي البحرين، عادة ما يكون البحر هائجًا، بل في بعض الأحيان، تضطر البواخر إلى الرسو على بعد أميال من الشاطئ. وإذا كان البحر هائجًا، فإن ذلك يأخذ وقتًا طويلا حتى يركب الشخص في قارب محلي صغير. بل عندما يكون الجو حسنًا، فإن الوصول إلى شاطئ مدينة المنامة يستغرق ساعة من الوقت. وإذا كان هناك جزر، فإنه يجب امتطاء حمار مع سرج للوصول إلى النقطة المطلوبة. ولكن الوضع في العمارة مختلف. فخطواتك على ألواح الحديد تقودك إلى الشاطئ الجميل مباشرة، ثم تشاهد نفسك وقد وصلت إلى الشارع الرئيس في المدينة، بأمان وسهولة. وفي هذا الشارع، سوف تلاحظ، بلا شك، مئات السكان المتجمهرين، الذين ينتظرون رؤية وصول البواخر إلى المدينة، وهو ما ستعرف مع الوقت أنه الحدث اليومي في العمارة!
وبعد وصولنا، وجدنا أن بيت الإرسالية، لا يبعد سوى دقيقة مشيًا على الأقدام. وعندما دخلنا البيت، ذهبنا إلى الطابق العلوي عبر سلم ضيق، أدى بنا إلى غرفة الجلوس، وبسرعة، شعرنا وكأننا في بيتنا.
وقد أمر القسيس ج. بنينجس، الموجود في البيت، طباخة العربي بتقديم الشاي والخبز العربي إلينا بسرعة. بعدها، عرض علينا القسيس، بأدب جم، الذهاب للسكن مع بائع الكتب سركيس. وسررنا كثيرًا عندما طلب منا استخدام بيت الإرسالية لعملنا الطبي، أثناء إقامتنا في العمارة.
وما هي إلا أيام قليلة حتى سمع المرضى في العمارة بوصولنا، لذلك جاءوا إلينا بسرعة مرحبين. وبسرعة، انشغلنا بالعمل الطبي. ويومًا بعد يوم، راحت أعداد المرضى تزداد، ولكن مع هذه الزيادة، واجهنا صعوبة في توفير الأدوية، التي راحت تنفذ بسرعة.
وانتظرنا، في الأيام التالية، وصول الأدوية من البصرة، بعد استخراجها من الجمارك التركية. لكننا لم نسمع شيئًا عنها. إلا أننا سررنا حينما أرسل إلينا الدكتور بينت بعض الأدوية من مخزونه الخاص.
وفي الواقع، كان مكان معالجة المرضى صغيرًا جدًا، ولا يستوعب إلا أعدادًا قليلة. وأمام ذلك، لم نجد سوى طريقة واحدة للتخلص من هذه المشكلة، تمثلت في إبقاء المرضى الرجال في الطابق السفلي، ثم الطلب من خادم البيت إحضار النساء والأطفال إلى الطابق العلوي لمعالجتهم بأسرع وقت، حتى لا تجبر النساء على الانتظار وسط عشرات الرجال.
وكنت أقوم بإعطائهن الأدوية، وقراءة بعض مقاطع الإنجيل، وكن ينصتن باهتمام بالغ. وبعد الانتهاء منهن، يقوم زوجي بمعالجة الرجال، وتستمر هذه العملية طول اليوم.
ووجدت، أثناء عملي، أن معظم حالات المرضى ليست ذات خطر، بل إن بعضهم ليسوا مرضى، بالمعنى المتعارف عليه. ولكن يجب الاعتراف بأن بعضهم يحتاج إلى علاج خاص، وغيرهم يحتاج إلى بعض العمليات. وقد وجدنا أن بعضهم كانوا أصدقاء قدماء لنا، كنا نعالجهم في البصرة. ولهذا السبب، كانوا واثقين بنا، وكانوا تواقين إلى العلاج، وسعداء برؤيتنا. وكان بعض المرضى يستطيعون الدفع، فاستطعنا، خلال ثلاثة أسابيع من العمل الطبي، تجميع مبلغ أربعين دولارا ، كانت رسومًا للعلاج من القادرين، رجالا كانوا أم نساء.
وأكثر من ذلك، وجدنا في أهالي العمارة طيبة كبيرة، ومعاملة ودية لا تنسى. وفي الواقع، فقد خططنا لزيارة جميع النساء اللواتي نستطيع القيام بزيارتهن في بيوتهن. وفي أثناء إقامتنا في العمارة، تلقينا الكثير من الدعوات للقيام بزيارة بعض النساء، ولكن وقتنا كان محدودًا جدا، فلم نتمكن من قبول سوى القليل من هذه الدعوات.
وفي إحدى المرات، قابلنا امرأة تركية، كانت في ليبيا قبل بدء الحرب بين ايطاليا والثوار، ثم ذهبت إلى القسطنطينية، وتزوجت هناك، ثم تم تعيين زوجها في وظيفة بالعمارة.
وهذه المرأة التركية موجودة في العمارة منذ ستة أسابيع فقط. وهي تستعد، الآن، للمغادرة إلى البصرة، حيث تم تعيين زوجها.
ولديها طفلة تركية جميلة، ورغم محاولاتنا الكثيرة لإقناعها بإدخال الطفلة إلى مدرسة الإرسالية في البصرة، إلا أنها ظلت متخوفة كثيرًا حتى لمجرد زيارة المدرسة والاطلاع على فصولها!
وعلاوة على هذه المرأة التركية، وجدنا أن معظم الأهالي، هنا، راغبون بشدة في وجود أطباء من الإرسالية في العمارة باستمرار، وقد أبدى بعضهم رغبته في كتابة عريضة إلى إدارة الإرسالية بالبصرة، تعبر عن هذه الرغبة. ولكننا لم نشجعهم على ذلك، لخوفنا من أن يؤدي رفض الطلب، لأي سبب من الأسباب، إلى إصابة هؤلاء الناس بالإحباط!
ــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: صدمة الاحتكاك للأستاذ خالد البسام.