إبراهيم أبو ساق...بائع البيتزا الذي أصبح محاضراً *
منذ أن وطئت قدماي مانشستر البريطانية واسمه يتردد على مسامعي. فلا
يخلو أي لقاء مع سعودي دون الإشارة إليه تصريحا أو تلميحا. يتحدثون عنه بزهو لا
مثيل له. فهو أستاذ في جامعة مانشستر، التي حصل 25 من أعضاء هيئة تدريسها وطلابها
على جائزة نوبل. وشخص نذر نفسه لخدمة أي طالب سعودي يدلف إلى مكتبه أو يبعث برسالة
إلى بريده الإلكتروني. أحبه أبناء جلدته لي لكونه متجاوبا معهم فحسب، بل لكونه
مبادرا لكل ما من شأنه تنميتهم.
أقام العديد من الندوات للسعوديين بمجهود شخصي. دعا زملاءه
البريطانيين لإلقاء محاضرات على الطلبة في مجال النشر العلمي وأساليب البحث.
استفاد من محاضراته المئات.
بذل الكثير في الظل دون أن يتسول اهتماما إعلاميا أو تغطية صحفية. لم
يبحث عن مجد شخصي بل عن نجاح يحققه مواطنوه في مشوارهم العلمي.
الدكتور إبراهيم شرفي أبو ساق شخصية استثنائية في عطائها وعصاميتها.
شخصية تأسر من يتابعها إثر ما تقدمه لوطنها بسخاء.
أبو ساق الحاصل على الدكتوراه من جامعة نتونجهام. بدأ دراسته العليا
في التسعينيات دون منحة تعليمية، معتمدا على دعم والده وإخوته. عمل بائعا في مطعم
(بيتزا هت) لتغطية مصاريفه الدراسية وتكاليف المعيشة. ثم عمل في مكاتب استشارية
متعددة بأجر زهيد بحثا عن خبرة يضيفها إلى رصيده العلمي. بعد حصوله على الدكتوراه
تلقى عرضا للتدريس في الجامعة التي تخرج وتدرب فيها. استمر فيها فترة غير قصيرة ثم
انتقل لجامعة (هل) حتى استقر به الحال في جامعة مانشستر.
يمتاز الدكتور إبراهيم بجلده البحثي. فلديه العديد من المقالات
العلمية المنشورة والكتب. شارك في الكثير من المؤتمرات والملتقيات الدولية متحدثا
رئيسا.
والجميل أن النجراني النبيل مازال يسكن روحه دون أن يذره رياح
الغربة. ففي حديثه تشتم رائحة (المرضوفة)، و(الحميسة)، و(العصيدة). في حين
ابتسامته تنقلك في رحلة مباشرة إلى صاغر وحبونا. يتذكر الصحفي النابه، مسلي آل معمر،
لقاءه الأول بالدكتور إبراهيم الصيف الماضي في شمال إنجلترا قائلا: (خنقتني العبرة
عندما ودعته. كان كريما أكثر مما ينبغي).
لم يكن مسلي وحده الذي خرج بهذا الانطباع. أنا غادرته نادماً؛ لأنني
لم أحضنه وأسجل امتناني له كما يجب. فقد سحرني تواضعه وانضباطه. كان موعدنا الساعة
الثانية عشرة ظهراً. جاء في الموعد تماماً. لم يتقدم ولم يتأخر. وصل حاملاً
ابتسامة عريضة. كان حديثه منظماً متدفقاً كأنه يقرأ من ورقة. انتهى الوقت لكن لم
ينته حديثنا الذي أداره بجدية البريطانيين وحميمية السعوديين.
يقول الطالب الاسكتلندي ديفيد بيرد الذي درسه أبو ساق قبل أشهر عدة
في صفحته بتويتر: (السيد أبو ساق من المحاضرين الممتعين. تنتهي محاضرته بسرعة
وتتمنى ألا تنتهي).
تجربة أبو ساق المثيرة والناجحة في التدريس في أحد أهم الصروح
العلمية البريطانية تؤكد حقيقة أنه لا مستحيل أمام من يأمل ويعمل. لا مستحيل أمام
المثابرة والمحاولة. فها هو أحد أبناء وطني يأتي إلى المملكة المتحدة طالبا، ولا
يلبث أن يصبح فيها أستاذا ومحاضرا يشار إليه بالبنان.
لدينا الكثير من المدهشين في مجالات متفرقة. لكننا لا ننتبه لهم سهوا
تارة وعمدا تارة أخرى.
مشكلتنا الكبيرة أننا نصفق كثيرا للاعبي كرة القدم، وننسى أن نصفق
ولو قليلاً للعلماء والباحثين، ثم نتساءل: لمَ نحن متخلفون عن ركب الحضارة؟
ــــــــــــــــــــــــــ
المصدر:
مضاد حيوي لليأس لـ عبد الله المغلوث.
*بتصرف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق