الجمعة، 28 فبراير 2014

توبة شاب على يد منصّر

توبة شاب على يد منصّر
إنه شاب من جملة شباب المسلمين، وعده والده بالسفر للسياحة في حال نجاحه!!، وفي لحظات ترك وطنه إلى البلاد المفتوحة .. وصل..  كل شيء كان معدّاً للاستقبال .. فعل كلّ شيء إلا ما يرضي الله .. لم يكن هناك وقت .. يقول هذا الشاب:
مرّ الوقت سريعاً .. لم يبق على انتهاء الرحلة إلا يوم واحد، وكما هو محدّد في الجدول: نزهة خلويّة، وحفل تكريم!
مالت الشمس للغروب، وسقطتْ صريعة خلف هاتيك الجبال الشامخات، والروابي الحالمات .. عندها بدأ ليل العاشقين، وسعي اللاهثين، واختلطت أصوات الموسيقى الحالمة بتلك الآهات الحائرة، ثمّ أعلن مقدّم الحفل عن بدء حفل الوداع .. أوّل فقرة من فقراته هي اختيار الشاب المثالي في هذه الرحلة الممتعة ..
وأعلن الفائز... الشاب المثالي هو ( أنا )!.

توبة مدمر الأصنام

توبة مدمر الأصنام
إنّه شاب نيجيري، تبدو على وجهه علامات القوّة والشكيمة، بدأت رحلته من الإسلام الوراثي المغلوط، إلى النصرانية المحرّفة، ثم إلى الإسلام من جديد، ولكنّه الإسلام الصحيح.
 أمّا تفاصيل رحلته فيرويها بنفسه، يقول:
تعرّفت على الإسلام منذ طفولتي المبكّرة، وهذا أمر بديهي بحكم إسلام الأسرة الوراثي، وبدأت تجربتي مع الإسلام تقريباً في أوّل مرحلة للتعليم، كنت في التاسعة من العمر حين التحقت بالمدرسة الإسلامية الصغرى في نيجريا بناء على رغبة والدي الذي كان يشجعني يحدّثني عن الإسلام، ويقول لي: إنّ الدين الإسلاميّ عُني بالحياة كلّها، وبكلّ ما يمتدّ على أديم الأرض المضطرب، وتشرّبتُ المعاني التي لقّنني إيّاها، ورسخت في ذهني، فقد تعلّمت منه أنّ الإسلام جعل لكلِّ مشكلة حلاً، ولكلّ عملٍ صالحٍ ثواباً، ولكلّ عملٍ سيءٍ عقاباً، ولكلّ مستغفر وتائب أجراً، وهذه القناعات لم تفارقني حتّى داخل الكنيسة يوم أن لبست ثوب النصرانية المحرّفة.

توبة الراقصة زيزي مصطفى

توبة الراقصة زيزي مصطفى
عشرون عاماً من عمرها قضتها في حياة الرقص والمجون والعبث، وفي (عرفات) عرفت طريق الحق وذاقت حلاوة الإيمان، فكانت التوبة :
تقول زينب مصطفى ( زيزي مصطفى سابقاً) في بداية حديثها:
ظروفي الماديّة العصيبة هي التي جعلتني أعمل في هذا المجال حوالي عشرين سنة، فأنا أعول أمّي المريضة، وأخواتي البنات، وليس لي مصدر آخر للرزق.
ثمّ لم أكن أدري أنّ هذا العمل حرام! ولم يكلّمني أحد في ذلك ، وظللت على هذه الحال حتّى أنجبت ابنتي الوحيدة.
  ثمّ تضيف:
بعد إنجابي لابنتي هذه حدثت تحوّلات جذريّة في حياتي ..

فيليب كان – مؤسس شركة بورلاند

نجم الأدمغة الإلكترونية:  فيليب كان – مؤسس شركة بورلاند
(هذا العنوان مقتبس من مقالة مترجمة نشرت في شهر ديسمبر 1985 في مجلة المختار العربية عن ذات الشخصية.)
تعتمد نظرية النجاح في دنيا الأعمال على المجيء بفكرة عبقرية لامعة، لم يسبقك إليها أحد من قبلك، ثم تضع خطة عمل محكمة قابلة للتحقيق، ثم تبحث عن الممولين وتضع نسبة تقسيم عادلة للأرباح والخسائر، ثم تتوكل على الله وتجتهد.
هذه نظرية أكاديمية بحتة، وهي وإن تحققت في كثير من الأحيان، لكن لكل نظرية شواذها، واليوم نتناول هذا الأمر من خلال قصة الفرنسي (فيليب كان) المولود في 16 مارس 1952، العبقري السابق لأوانه الذي أبدع فأشهر شركة بورلاند لبرامج الحواسيب، تلك الشركة التي خرج الرعيل الأول من المبرمجين العرب يتعلمون على برامجها في البرمجة بلغتي تيربو باسكال وتيربو سي ودلفي ومنها إلى برامج إدارة قواعد البيانات بارادوكس وغيرها الكثير.

النجاح قد يأتي في سن مبكرة

النجاح قد يأتي في سن مبكرة: (مروضة التنين الصغيرة)
رغم الاعتقاد السائد بين شعوب بلادنا العربية، فألعاب الفيديو ليست كلها شراً، خاصة في حالة الشابة الاسكتلندية  ذات 13 ربيعاً، إيماماري اركوارت، والتي أدمنت لعبة اسمها .hack ما دفعها لكتابة قصة كتابها الأول: مروضو التنانين: الواقع يصبح افتراضياً.
تدور أحداث هذه القصة الخيالية حول ثلاثة مراهقين يجدوا أنفسهم حبيسي لعبة تدور أحداثها في واقع افتراضي خيالي، عبر أحداث ملأت 128 صفحة، كتبتها هذه الصغيرة خلال العطلات الأسبوعية، وبعد انتهاء فروضها الدراسية. بعدما انتهت من كتابة قصتها، عمدت إلى البحث عن الناشرين، عبر دليل الهاتف وعبر شبكة الإنترنت، حتى وقّعت عقداً مع دار نشر محلية صغيرة، والتي بدأت بنشر ألف نسخة فقط، في شهر ديسمبر من عام 2004 (هذه النسخ الأولى أصبحت تحفاً نادرة يحاول الكثيرون اقتناؤها).

الاثنين، 24 فبراير 2014

النجاح قد يأتي بعد سن الخامسة والستين!


النجاح قد يأتي بعد سن الخامسة والستين
وصفة كولونيل ساندرز السرية
كان ميلاده في التاسع من شهر سبتمبر عام 1890 م في بلدة هنريفيل التابعة لولاية إنديانا الأمريكية، وفارق والده -عامل مناجم الفحم – الحياة وعمره ست سنوات، ومع اضطرار والدته حينئذ للخروج للعمل لتعول الأسرة، كان على أكبر إخوته –ساندرز- أن يهتم بشأن أخيه ذي الثلاث سنوات وأخته الرضيعة، وكان عليه أيضاً أن يطهو طعام الأسرة، مهتديًا بنصائح ووصفات أمه. في سن السابعة كان ساندرز قد أتقن طهي عدة أنواع من الأطباق الشهية، من ضمنها الدجاج المقلي في الزيت.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ أضطر ساندرز كذلك للعمل في صباه في عدة وظائف، أولها في مزرعة مقابل دولارين شهريًا، ثم بعدها بسنتين تزوجت أمه، ما مكنه من أن يرحل للعمل في مزرعة خارج بلدته، و بعدما أتم عامه السادس عشر خدم لمدة ستة شهور في الجيش الأمريكي في كوبا، ثم تنقل ما بين وظائف عدة، من ملقم فحم على متن قطار بخاري، لقائد عبارة نهرية، لبائع بوالص تأمين، ثم درس القانون بالمراسلة ومارس المحاماة لبعض الوقت، وباع إطارات السيارات، وتولى إدارة محطات الوقود.
إنه هارلند دافيد ساندرز، الرجل العجوز المشهور، ذو الشيب الأبيض الذي ترمز صورته لأشهر محلات الدجاج المقلي. لقد كانت رحلة هذا الرجل في الحياة مليئة بالصعاب والشوك.
في عامه الأربعين كان ساندرز يطهو قطع الدجاج، ثم يبيعها للمارين على المحطة التي كان يديرها في مدينة كوربين بولاية كنتاكي الأمريكية، وكان زبائنه يجلسون في غرفة نومه لتناول الطعام. شيئاً فشيئاً بدأت شهرته تزيد، وبدأ الناس يأتون إلى المحطة فقط لتناول دجاجه، ما مكنه من الانتقال للعمل كبير الطهاة في فندق يقع على الجهة الأخرى من محطة الوقود، ملحق به مطعم اتسع لقرابة 142 شخص.
على مر تسع سنين تالية، تمكن ساندرز من إتقان فن طهي الدجاج المقلي، وتمكن كذلك من إعداد وصفته السرية التي تعتمد على خلط 11 نوع من التوابل الكفيلة بإعطاء الدجاج الطعم الذي تجده في مطاعم كنتاكي اليوم.
كانت الأمور تسير على ما يرام، حتى أن محافظ كنتاكي أنعم على ساندرز (وعمره 45سنة) بلقب كولونيل تقديرًا له على إجادته للطهي، لولا عيب واحد اضطرار الزبائن للانتظار قرابة 30 دقيقة حتى يحصلوا على وجبتهم التي طلبوها. كان المنافسون (المطاعم الجنوبية) يتغلبون على هذا العيب بطهي الدجاج في السمن المركز ما ساعد على نضوج الدجاج بسرعة، على أن الطعم كان شديد الاختلاف.
احتاج الأمر من ساندرز أن يتعلم ويختبر ويتقن فن التعامل مع أواني الطهي باستخدام ضغط الهواء، لكي يحافظ دجاجه على مذاقه الخاص، ولكي ينتهي من طهي الطعام بشكل سريع، كما أنه أدخل تعديلاته الخاص على طريقة عمل أواني الطبخ بضغط الهواء في مطبخه!
ما أن توصل ساندرز لحل معضلة الانتظار وبدأ يخدم زبائنه بسرعة، حتى تم تحويل الطريق العام فلم يعد يمر على البلدة التي بها مطعم ساندرز، فانصرف عنه الزبائن. بعدما بار كل شيء، اضطر ساندرز لبيع كل ما يملكه بالمزاد، وبعد سداد جميع الفواتير، اضطر ساندرز كذلك للتقاعد ليعيش ويتقوت من أموال التأمين الحكومية، أو ما يعادل 105 دولارات شهريًا لقد كان عمره 65 عامًا وقتها!
بعدما وصل أول شيك من أموال التأمين الاجتماعي (الذي يعادل المعاشات في بلادنا) إلى الرجل العجوز، جلس ليفكر ويتدبر، ثم قرر أنه ليس مستعدًا بعد للجلوس على كرسي هزاز في انتظار معاش الحكومة، ولذا أقنع بعض المستثمرين باستثمار أموالهم في الدجاج المقلي الشهي، وهكذا كانت النشأة الرسمية لنشاط دجاج كنتاكي المقلي أو كنتاكي فرايد تشيكن، في عام 1952.
قرر ساندرز أن يطهو الدجاج، ثم يرتحل بسيارته عبر الولايات من مطعم لآخر، عارضًا دجاجه على ملاك المطاعم والعاملين فيها، وإذا جاء رد فعل هؤلاء إيجابياً، كان يتم الاتفاق بينهم على حصول ساندرز على مقابل مادي لكل دجاجة يبيعها المطعم من دجاجات الكولونيل. بعد مرور 12 سنة، كان هناك أكثر من 600 مطعم في الولايات المتحدة وكندا يبيعون دجاج كولونيل ساندرز.
في هذه السنة (عام 1964)، وبعدما بلغ ساندرز سن 77، قرر أن يبيع كل شيء بمبلغ 2 مليون دولار لمجموعة من المستثمرين (من ضمنهم رجل عمل بعدها كمحافظ ولاية كنتاكي من عام 1980 وحتى 1984)، مع بقاءه المتحدث الرسمي باسم الشركة (مقابل أجر) وظهوره بزيه الأبيض المعهود ولمدة عقد من الزمان في دعايات الشركة. عكف العجوز في خلال هذا الوقت على الانتهاء من كتابه Life As I Have Known It Has Been Finger Lickin’ Good (أو: الحياة التي عرفتها كانت شهية بدرجة تدفعك للعق الأصابع – كناية عن الجملة الدعائية التي اشتهرت بها دعايات الشركة) والذي نشره في عام 1974.
تحت قيادة المستثمرين الجدد، نمت الشركة بسرعة، وتحولت في عام 1966 إلى شركة مساهمة مدرجة في البورصة، وفي عام 1971 تم بيعها مرة أخرى بمبلغ 285 مليون دولار، حتى اشترتها شركة بيبسي في عام 1986 بمبلغ 840 مليون دولار. في عام 1991 تم تحويل الاسم الرسمي للشركة من دجاج كنتاكي المقلي إلى الأحرف الأولى كي اف سي، للابتعاد عن قصر النشاط على الدجاج المقلي، لإتاحة الفرصة لبيع المزيد من أنواع الطعام. اليوم يعمل أكثر من 33 ألف موظف في جميع فروع كنتاكي، المنتشرة في أكثر من 100 دولة.
قبل أن يقضي مرض اللوكيميا (سرطان الدم) على الكولونيل وسنه 90 عامًا، كان العجوز قد قطع أكثر من 250 ألف ميل ليزور جميع فروع محلات كنتاكي. حتى يومنا هذا، تبقى وصفة كولونيل ساندرز أحد أشهر الأسرار التجارية المحُاَفظ عليها.

- الدروس المستفادة:
* من طفولة بائسة جاء إتقان الطهي، ومن عمل في محطة للوقود بدأت الشهرة، ومن عمل في المطبخ جاءت الوصفة السرية. لكل حدث جلل في حياة كل منا حكمة بالغة، احرص على أن تقف عليها وتستفيد منها.
* كلما اشتدت واستعصت على الحل المشاكل، فاعلم أن الفرج قريب، وكلما صبرت وجاهدت- سيكون كبيراً.
* كان ساندرز شديد الثقة في منتجه (حلاوة طعم دجاجه) ما مهد له طريق النجاح
* لم ييأس ساندرز أبدًا، ولو يأس لما استطاع أحد أن يلومه.
* بقي ساندرز مطلعًا على الحديث في صناعته: فن الطبخ.
* لا يأس مع الحياة، ولا حياة مع اليأس، وما لم يقتلك سيجعلك أكثر صلابة وقوة.

ـــــــ
المصدر: 25 قصة نجاح تأليف رؤوف شبايك.
* تم النشر بموافقة المؤلف (blog.shabayek.com).

السبت، 22 فبراير 2014

اليمين على من أنكر



اليمين على من أنكر
وقف أمام القاضي، فأنكر أنه مدين بمبلغ خمسمائة والف من الدنانير لورثة الحاج إبراهيم محمد، فطلب منه القاضي أن يقسم بالقرآن الكريم، بأن الحاج إبراهيم لم يدفع له في يوم من الأيام هذا المبلغ، وأنه ليس مديناً له، فأقسم ثم غادر المحكمة بعد أن أفرج عنه القاضي ونطق بالحكم عليه بالبراءة.
ولم يكد يتخطى عتبة المحكمة إلا وسقط على الأرض ميتاً!
ذلك ما حدث في عام 1954م في مدينة ما من مدن العراق، ولكن القصة لا تبدأ هكذا، فلنذكر القصة كما حدثت:
كان الحاج إبراهيم محمد من التجار الكبار، وكان لا يرد طلب طالب، ولا يخيب رجاء قاصد.

الإنسان المظلوم



الإنسان المظلوم
كان تاجراً متوسط الثراء، وكان يعمل بشراء الأبقار من العراق أو من إيران، ثم ينتقل بها هو ورجاله مرحلة مرحلة حتى يصل إلى سورية ولبنان، وقد يصل إلى مصر، ليبيع ما لديه من الأبقار، ثم يشتري بثمنها أقمشة، ومصنوعات أخرى، ويعود بها إلى العراق.
وكان الرجل مسلماً حقاً قواماً، صواماً، منفقا على الفقراء، قائماً بواجباته نحو ربه ونحو الناس، ورقا تقيا نقيا، مالُه ليس له وحده، بل للمحتاجين من أقربائه، وأهل بلدته، ولكل فقير محتاج.
وفي إحدى سفراته بتجارته، وكان ذلك قبل الحرب العالمية الأولى (1914-1918) هطل ثلج كثير، فسد الطرق، وقتل الأعشاب، فماتت أبقاره عدا أربعة منها، فصرف رجاله، وأخذ يتنقل بها من مكان إلى آخر، وكان في نيته أن يصل إلى حلب الشهباء، ليؤدي ما عليه من ديون هناك حسب طاقته، ويطلب تأجيل ما بقي عليه منها إلى العام القادم، لأن تجارته في عامه هذا لم تربح، وأن مع العسر يسراً.
وفي مساء ذات يوم من الأيام وصل إلى قرية صغيرة في طريقه من الموصل الحدباء إلى حلب الشهباء، فطرق باب أحد بيوتها، فلما خرج إليه صاحب الدار، أخبره بأنه ضيف الله، وأنه يريد أن يبيت ليلته في داره، فإذا جاء الصباح سافر إلى قرية أخرى.
ولم تكن حينذاك فنادق يأوي إليها المسافرون، ولم تكن يومئذ مطاعم يتناول الغرباء فيها طعامهم...لقد كان الغريب أو المسافر يطرق أية دار من دور الموقع الذي يصل إليه، ثم يحل ضيفاً بين ظهراني أهله، ينام كما ينامون، ويتناول من طعامهم بدون أجر أو مقابل...
ورحب صاحب الدار بضيفه، وأدخل أبقاره إلى صحن داره، وقدم الطعام للضيف، والعلف للأبقار.
كان صاحب البيت معدماً، وكان قد أصابه ما أصاب الناس من جرّاء هطول الثلج بكثرة ولمدة طويلة، فماتت مواشيه، وتضرر زرعه.
وكان متزوجاً وله ولد واحد في العقد الثاني من عمره، وكان في داره غرفتان غرفة يأوي إليها هو وزوجه، وغرفة يأوي إليها ولده.
واجتمعت العائلة حول الضيف الجديد، وابتدأ السمر شهياً طلياً، عرف المضيف من خلاله أن ضيفه يحمل مبلغاً من المال..
وفي الهزيع الثاني من الليل، آوى المضيف مع زوجه إلى غرفتهما، وأوى الضيف إلى غرفة ولد المضيف، فنام الولد على فراشه في الزاوية اليمنى من الغرفة، وآوى الضيف إلى فراشه في الزاوية اليسرى من الغرفة.
وبعد أن سأل المضيف ضيفه عما إذا كان بحاجة إلى شيء ما، ثم اطمأن إلى راحته، وتأكد حتى من وجود الماء لديه، غادر غرفة ولده وضيفه إلى غرفته لينام هو أيضاً.
وفي غرفته همست له زوجه: يا فلان! إلى متى نبقى في عوز شديد؟ هذا الضيف غني، ونحن بأشد الحاجة إلى ماله وأبقاره، إننا مقبلون على مجاعة لا يستطيع الأغنياء أن يتغلبوا عليها إلا بمشقة بالغة، وسنموت نحن بدون ريب، إننا الآن نأكل يوماً ونجوع أياماً، فكيف بنا إذا حلت بالقرية المجاعة المترقبة، ولا مال عندنا ولا طعام؟
إن الفرصة سانحة اليوم، ولن تعود مرة أخرى في يوم من الأيام! هلم إلى الضيف فاسلبه ماله، وخذ أبقاره، حتى تبقي على حياتنا وحياة ولدنا الوحيد.
وقال لها الرجل: كيف وهو ضيفنا؟ كيف أسلبه ماله وأبقاره؟! كيف يسمح لنا بسلبه؟!.
وقالت زوجه: اقتله، ثم نرميه في حفرة قريبة ببطن الوادي، ومن يعرف بخبره؟ من!!
وتردد الرجل، وألحت المرأة، وكان الشيطان ثالثهما، فزين للرجل قول امرأته، وألح هو أيضاً في الإقدام على قتل الضيف..
ولكي تقطع المرأة على زوجها داءَ تردده، ولكي يقطع عليه الشيطان، قالت المرأة لزوجها: إن ما تفعله ضرورة لإنقاذنا من الموت الأكيد، والضرورات تبيح المحرمات!.
واقتنع الرجل أخيراً، وعزم على قتل الضيف وسلب ما لديه من مال ومتاع.
كان الوقت في الثلث الأخير من الليل، وكان كل شيء هادئاً ساكناً، وكانت الأنوار مطفأة، ولم تكن أنوار المنازل في حينه غير سراج يوقد بالزيت.
وأخرج الرجل خنجره، وشحذه، ثم يمم شطر غرفة الضيف وابنه، ومن ورائه زوجه تشجعه.
ومشى رويداً رويداً، على رؤوس أصابع رجليه، واتجه شطر الزاوية اليسرى من الغرفة حيث يرقد الضيف، وتحسس جسمه حتى تلمس رقبته في الظلام، ثم ذبحه كما يذبح الشاة.
وجاءت إلى الرجل زوجه، وتعاونا على سحب الجثة الهامدة إلى خارج الغرفة، وحيث اكتشفا هناك أنهما ذبحا ابنهما الوحيد.
وشهق الرجل شهقة عظيمة، وشهقت المرأة، فسقطا مغشياً عليهما، وعلى صوت الجلبة استيقظ الضيف، واستيقظ الجيران، ليجدا ابن الرجل قتيلاً، وليجدوا أمه وأباه مغشياً عليهما راقدين إلى جانب الجثة الهامدة على الأرض.
وسارع الضيف وسارع الجيران إلى الرجل وامرأته بالماء البارد يرشونه على وجهيهما، وسارع هؤلاء إلى تدليك جسدي الرجل وامرأته، فلما أفاقا أخذا يبكيان بكاء مراً، وطلبا إلى الجيران إبلاغ الحادث إلى الشرطة، فجاءت على عجل، وألقت القبض على الجانيين.
ما الذي حدث في غرفة الضيف وابن المضيف؟
لقد قام الابن إلى فراش الضيف بعد أن غادر أبوه الغرفة، وأخذ الرجلان يتجاذبان أطراف الحديث، وكان الحديث ذا شجون، فطال أمده، حتى نام الولد على فراش الضيف بعد أن غلبه النعاس.
ولم يشأ الضيف أن يوقظ ابن مضيفه، فترك له فراشه بعد أن أحكم عليه الغطاء، ثم آوى إلى فراش ابن المضيف.
وحين قدم المضيف إلى غرفة الضيف وابنه، كان متأكداً من موضع فراش كل واحد منهما، فذبح ابنه وهو يريد الضيف، فكان كالخارجي الذي أراد اغتيال عمرو بن العاص في عماية الفجر، فاغتال بدله خارجة بن حذافة، فلما علم بالخبر، هتف من صميم قلبه: أردت عمراً وأراد الله خارجة..
ودفن الجيران الولد القتيل، واستقر والده في السجن..
على شجر خابور الفرات قرب قرقيسياء كانت يمامتان تتناجيان بما يتناجى به الناس من خبرقصة الضيف والمضيف، وقصة عدالة السماء:
قالت الأولى: إن الله هو الغني، والناس فقراء.
والله هو الرزاق العليم.
ورزقه مكتوب لكل ذي روح.
فليطلب المرء رزقه حلالاً.
وقالت الثانية: لا حارس كالأجل.
والله هو الرقيب الحسيب.
فإذا نام الخلق، فالخالق لا ينام.
ولن تموت نفس حتى تستوفي أجلها.
قالت الأولى: احفظ الله يحفظك.
ومن يتق الله يجعل له مخرجاً.
(وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا)..الكهف:82.
والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
وقالت الثانية: والظلم لا يدوم، وإن دام دمر.
والعدل يدوم ويزدهر.
والظلم ظلمات، ومن بعض ظلماته السجون.
والعدل نور، ومن بعض نوره راحة الضمير.
وردد الحيوان والجماد والإنسان حكمة الباري وعدالة السماء، واعتبر كل شيء إلا الإنسان (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً)..الأحزاب:72.

ـــــــ
المصدر: عدالة السماء تأليف اللواء الركن/ محمود شيت خطّاب.

دقـةٌ بدقـة



دقـةٌ بدقـة
كان تاجرا كبيرا، وكانت تجارته بين العراق وسورية يبيع الحبوب في سورية، ويستورد منها الصابون والأقمشة.
وكان رجلا مستقيما في خلقه، كثير التدين، يزكي ماله ويغدق على الفقراء مما أفاء الله عليه من خير.
وكان يقضي حاجات الناس، لا يكاد يرد سائلاً، وكان يقول: زكاة المال من المال، وزكاة الجاه قضاء الحاجات.
وكان يعود مرضى محلته، ويتفقدهم كل يوم تقريباً، وكان يصلي المغرب والعشاء في مسجد صغير قرب داره، فلا يتخلف عن الصلاة أحد من جيرانه إلا ويسأل عنه، فإذا كان مريضاً عاده، وإذا كان محتاجاً إلى المال أعطاه من ماله، وإذا كان مسافراً خلفه في عياله.
وكان له ولد وابنة واحدة، بلغا عمر الشباب.

عروةُ بن الزُّبير



عروةُ بن الزُّبير
(من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى عروة بن الزُّبير) .. علقمةُ بن مرثِد.
ما كادت شمس الأصيل تلملم خويطها الذهبية عن بيت الله الحرام، وتأذن للنسمات الندية بأن تتردد في رحابه الطاهرة...حتى شرع الطائفون بالبيت من بقايا صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبار التابعين؛ يعطرون الأجواء بالتهليل والتكبير، ويترعون الأرجاء بصالح الدعاء.
وحتى أخذ الناس يتحلقون زمراً زمراً حول الكعبة المعظمة، الرابضة وسط البيت في مهابة وجلال.
ويملأون عيونهم من بهائها الأسنى، ويديرون بينهم أحاديث لا لغو فيها ولا تأثيم.
وبالقرب من الركن اليماني جلس أربعة فتيان صِباح الوجوه، كرام الأحساب، معطّري الأردان –الردن طرف الكم الواسع- كأنهم بعض حمامات المسجد نَصَاعَة أثواب، وأُلفة قلوب.
هم عبدالله بن الزبير، وأخوه مصعب بن الزبير، وأخوهما عروة بن الزبير، وعبدالملك بن مروان.
ودار الحديث رهوا بين الفتية الأبرار، ثم ما لبث أن قال قائل منهم: لِيَتَمَنّ كل منا على الله ما يحب...
فانطلقت أخيلتهم تحلق في عالم الغيب الرحب، ومضت أحلامهم تطوف في رياض الأماني الخضر، ثم قال عبدالله بن الزبير: أمنيتي أن أملك الحجاز، وأن أنال الخلافة...
وقال أخوه مصعب: أما أنا فأتمنى أن أملك العراقين –الكوفة والبصرة-، فلا ينازعني فيهما منازع.
وقال عبدالملك بن مروان: إذا كنتما تقنعان بذاك، فأنا لا أقنع إلا بأن أملك الأرض كلها...وأن أنال الخلافة بعد معاوية بن أبي سفيان...
وسكت عروة بن الزبير فلم يقل شيئاً...فالتفتوا إليه، وقالوا: وأنت ماذا تتمنى يا عروة؟
فقال: بارك الله لكم فيما تمنيتم من أمر دنياكم...
أما أنا فأتمنى أن أكون عالماً عاملاً؛ يأخذ الناس عني كتاب ربهم وسنة نبيهم، وأحكام دينهم...وأن أفوز في الآخرة برضى الله، وأحظى بجنته...
ثم دارت الأيام دورتها؛ فإذا بعبدالله بن الزبير يُبايَع له بالخلافة عقب موت يزيد بن معاوية فيحكم الحجاز، ومصر، واليمن، وخراسان، والعراق...
ثم يقتل عند الكعبة غير بعيد عن المكان الذي تمنى فيه ما تمنى.
وإذا بمصعب بن الزبير يتولى إمرة العراق من قبل أخيه عبدالله، ويقتل هو الآخر دون ولايته أيضاً.
وإذا بعبد الملك بن مروان تؤول إليه الخلافة بعد موت أبيه، وتجتمع عليه كلمة المسلمين بعد مقتل عبد الله بن الزبير وأخيه مصعب على أيدي جنوده...ثم يغدو أعظم ملوك الدنيا في زمانه.
فما كان من أمر عروة بن الزبير؟...
تعالوا نبدأ قصته من أولها.
ولد عروة بن الزبير لسنة واحدة بقيت من خلافة الفاروق رضوان الله عليه في بيت من أعز بيوت المسلمين شأناً، وارفعها مقاماً.
فأبوه، هو الزبير بن العوام حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأول من سل سيفاً في الإسلام، وأحد العشرة المبشرين بالجنة.
وأمه، هي أسماء بنت أبي بكر الملقبة بذات النطاقين.
وجده لأمه، هو أبوبكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصاحبه في الغار.
وجدته لأبيه، هي صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وخالته، هي أم المؤمنين عائشة عليها رضوان الله.
فقد نزل إلى قبرها حين دفنت بنفسه، وسوى عليها لحدها بيديه.
أفتظن أن بعد هذا الحسب حسباً...
وأن فوق هذا الشرف شرفاً غير شرف الإيمان وعزة الإسلام؟
ولكي يحقق عروة أمنيته التي تمناها على الله عند الكعبة المعظمة أكب على طلب العلم وانقطع له، واغتنم البقية الباقية من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم...فطفق يؤم بيوتهم، ويصلي خلفهم، ويتتبع مجالسهم، حتى روى عن علي بن أبي طالب، وعبدالرحمن بن عوف، وزيد بن ثابت، وأبي أيوب الأنصاري، وأسامة بن زيد، وسعيد بن زيد، وأبي هريرة، وعبدالله بن عباس، والنعمان بن بشير.
وأخذ كثيراً عن خالته عائشة أم المؤمنين، حتى غدا أحد فقهاء المدينة السبعة الذين يفزع إليهم المسلمون في دينهم.
ويستعين بهم الولاة الصالحون على ما استرعاهم الله جل وعز من أمر العباد والبلاد.
من ذلك أن عمر بن عبدالعزيز حين قدم المدينة والياً عليها من قبل الوليد بن عبد الملك جاءه الناس فسلموا عليه...فلما صلى الظهر دعا عشرة من فقهاء المدينة، وعلى رأسهم عروة بن الزبير...
فلما صاروا عنده رحب بهم، وأكرم مجالسهم، ثم حمد الله جل وعز وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: إني دعوتكم لأمر تؤجرون عليه وتكونون لي فيه أعواناً على الحق...فأنا لا أريد أن أقطع أمراً إلا برأيكم، أو برأي من حضر منكم.
فإن رأيتم أحداً يتعدى على أحد، أو بلغكم عن عامل لي مظلمة فأسألكم بالله أن تبلغوني ذلك.
فدعا له عروة بن الزبير بخير، وجا له من الله السداد والرشاد.
وقد جمع عروة بن الزبير العلم إلى العمل، فقد كان صوّاما في الهواجر...قوّاما في العتمات، رطب اللسان دائما بذكر الله تعالى.
وكان إلى ذلك خدينا –مصاحبا- لكتاب الله جل وعز، عاكفاً على تلاوته...فكان يقرأ ربع القرآن كل نهار نظرا في المصحف...ثم يقوم به الليل تلاوة عن ظهر قلب..
ولم يعرف عنه أنه ترك ذلك منذ صدر شبابه إلى يوم وفاته غير مرة واحدة لخطب نزل به سيأتيك نبؤه بعد قليل.
لقد كان عروة بن الزبير يجد في الصلاة راحة نفسه، وقرة عينه، وجنته على الأرض، فيحسنها كل الإحسان، ويتقن شعائرها أتم الإتقان، ويطيلها غاية الطول...
روي عنه أنه رأى رجلا يصلي صلاة خفيفة، فلما فرغ من صلاته دعاه إليه وقال له: يا بن أخي، أما كانت لك عند ربك جل وعز حاجة؟!..والله إني لأسأل الله تبارك وتعالى في صلاتي كل شيء حتى الملح.
وقد كان عروة بن الزبير رضوان الله عليه سيخي اليد سمحا جوادا...ومما أثر عن جوده أنه كان له بستان من أعظم بساتين المدينة...عذب المياه، ظليل الأشجار، باسق النخيل...وكان يسور بستانه طوال العام؛ لحماية أشجاره من أذى الماشية وعبث الصبية، حتى إذا آن أوان الرطب وأينعت الثمار وطابت، واشتهتها النفوس...كسر حائط بستانه في أكثر من جهة ليجيز للناس دخوله...
فكانوا يُلمّون به ذاهبين آيبين، ويأكلون من ثمره ما لذ لهم الأكل، ويحملون منه ما طاب لهم الحمل.
وكان كلما دخل بستانه ردد قول الله جل وعز:(ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شآء الله لا قوة إلا بالله).
وفي ذات سنة من خلافة الوليد بن عبدالملك شاء الله جل وعز أن يمتحن عروة بن الزبير امتحانا لا يثبت له إلا ذوو الأفئدة التي عمرها الإيمان وأترعها اليقين.
فلقد دعا خليفة المسلمين عروة بن الزبير لزيارته في دمشق؛ فلبى دعوته، وصحب معه أكبر بنيه...ولما قدم على الخليفة رحب بمقدمه أعظم الترحيب، وأكرم وفادته أوفى الإكرام، وبالغ في الحفاوة به.
ثم شاء الله سبحانه بأن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.
ذلك أن ابن عروة دخل على إصطبل الوليد ليتفرج على جياده الصافنات، فرمحته دابة رمحة قاضية أودت بحياته.
ولم يكد الأب المفجوع ينفض يديه من تراب قبر ولده، حتى أصابت إحدى قدميه الآكلة.
فتورمت ساقه، وجعل الورم يشتد ويمتد بسرعة مذهلة. فاستدعى الخليفة لضيفه الأطباء من كل جهة...وحضهم على معالجته بأي وسيلة...لكن الأطباء أجمعوا على أنه لا مندوحة من بتر ساق عروة قبل أن يسري الورم إلى جسده كله، ويكون سببا في القضاء عليه...فلم يجد بداً من الإذعان لذلك.
ولما حضر الجراح لبتر الساق، وأحضر معه مباضعه لشق اللحم، ومناشيره لنشر العظم، قال الطبيب لعروة: أرى أن نسقيك جرعة من مسكر لكي لا تشعر بآلام البتر المبرحة.
فقال: هيهات...لا أستعين بحرام على ما أرجوه من العافية.
فقال له: إذن نسقيك المخدر.
فقال:ما أحب أن أسلب عضوا من أعضائي دون أن أشعر بألمه، وأحتسب ذلك عند الله.
ولما هم الجراح بقطع الساق، تقدم نحو عروة طائفة من الرجال فقال: ما هؤلاء؟!...
فقيل له: لقد جيء بهم ليمسكوك، فلربما اشتد عليك الألم؛ فجذبت قدمك جذبة أضرت بك.
فقال: ردوهم...
لا حاجة لي بهم، وإني لأرجو أن أكفيكم ذلك بالذكر والتسبيح...ثم أقبل عليه الطبيب؛ فقطع اللحم بالمبضع...ولما بلغ العظم، وضع عليه المنشار وطفق ينشره به، وعروة يقول:
لا إله إلا الله، والله أكبر.
وما فتئ الجراح ينشر، وعروة يهلل ويكبر حتى بترت الساق بتراً. ثم أغلي الزيت في مغارف الحديد، وغمست به ساق عروة لإيقاف تدفق الدماء، وحسم الجراح، فأغمي عليه إغماءة طويلة حالت دونه ودون أن يقرأ حصته من كتاب الله في ذلك اليوم...
وكانت المرة الوحيدة التي فاته فيها ذلك الخير منذ صدر شبابه.
ولما صحا عروة، دعا بقدمه المبتورة، فناولوها إياه...فجعل يقلبها بيده وهو يقول: أما والذي حملني عليك في عتمات الليل إلى المساجد؛ إنه ليعلم أنني ما مشيت بك إلى حرام قط...
ثم تمثل بأبيات لمعن بن أوس يقول فيها:
لعمرك مـا أهويت كفي لريبـة *** ولا حملتني نحو فاحشـة رجـلي
ولا قادني سمعي ولا بصري لها *** ولا دلـني رأي عليهـا ولا عقلي
وأعلـم أني لم تصبني مصيبـة *** من الدهر إلا قد أصابت فتى قبلي
وقد شق على الوليد بن عبدالملك ما نزل بضيفه الكبير من النوازل...
فقد احتسب ابنه، وفقد ساقه في أيام معدودات؛ فجعل يحتال لتعزيته وتصبيره على ما أصابه.
وصادف أن نزل بدار الخلافة جماعة من بني عبس فيهم رجل ضرير، فسأله الوليد عن سبب كف بصره، فقال: يا أمير المؤمنين لم يكن في بني عبس رجل أوفر مني مالاً، ولا أكثر أهلاً وولداً.
فنزلت مع مالي وعيالي في بطن واد من منازل قومي، فطرقنا سيل لم نرَ مثله قط...
فذهب السيل بما كان لي من مالٍ، وأهل وولد...ولم يترك لي غير بعير واحد، وطفل صغير حديث الولادة.
وكان البعير صعبا فَنَـدّ مني...فتركت الصبي على الأرض ولحقت بالبعير..
فلم أجاوز مكاني قليلاً حتى سمعت صيحة الطفل..فالتفت فإذا رأسه في فم الذئب وهو يأكله..
فبادرت إليه، غير أني لم أستطع إنقاذه إذ كان قد أتى عليه...
فلحقت بالبعير فلما دنوت منه؛ رماني برجله على وجهي رمية حطمت حبيني، وذهبت ببصري...
وهكذا وجدت نفسي قد غدوت في ليلة واحدة من غير أهل، ولا ولد، ولا مال، ولا بصر...فقال الوليد لحاجبه: انطلق بهذا الرجل إلى ضيفنا عروة بن الزبير، وليقص عليه قصته؛ ليعلم أن في الناس من هو أعظم منه بلاء.
ولما حمل عروة بن الزبير إلى المدينة وأدخل على أهله، بادرهم قائلاً: لا يهولنكم ما ترون...فلقد وهبني الله عز وجل أربعة من البنين، ثم أخذ منهم واحدا وأبقى لي ثلاثة...فله الحمد.
وأعطاني أربعة من الأطراف، ثم أخذ منها واحداً وأبقى لي ثلاثة...فله الحمد.
وأيم الله، لئن أخذ الله مني قليلاً، فلقد أبقى لي كثيراً...
ولئن ابتلاني مرة، فلطالما عافاني مرات...
ولما عرف أهل المدينة بوصول إمامهم وعالمهم عروة بن الزبير تسايلوا على بيته ليواسوا ويعزوا...
فكان من أحسن ما عزي به كلمة إبراهيم بن محمد بن طلحة حيث قال له: أبشر –يا أبا عبدالله- فقد سبقك عضو من أعضائك، وولد من أبنائك إلى الجنة...
والكل يتبع البعض إن شاء الله..
ولقد أبقى الله لنا منك ما نحن إليه فقراء وعنه غير أغنياء من علمك، وفقهك، ورأيك...نفعك الله وإيانا به...والله ولي ثوابك، والضمين بحسن حسابك.
ظل عروة بن الزبير للمسلمين منارة هدى، ودليل فلاح، وداعية خير طوال حياته...
ولقد اهتم أكثر ما اهتم بتربية أولاده خاصة، وسائر أبناء المسلمين عامة؛ فلم يترك فرصة لتوجيههم إلا اغتنمها، ولم يدع سانحة لنصحهم إلا أفاد منها.
من ذلك أنه دأب على حض بنيه على طلب العلم، إذ كان يقول لهم: يا بني تعلموا العلم، وابذلوا له حقه...فإنكم إن تكونوا صغار قوم؛ فعسى أن يجعلكم الله بالعلم كبراءهم.
ثم يقول: واسوأتاه، هل في الدنيا شيء أقبح من شيخ جاهل؟!!
وكان يدعوهم إلى عد الصدقة هدية تهدى لله جل وعز، فيقول: يا بني، لا يُهدين أحدكم إلى ربه ما يستحي أن يهديه إلى عزيز قومه...فإن الله تعالى أعز الأعزاء، وأكرم الكرماء، وأحق من يُختار له.
وكان يبصرهم بالناس، وينفذ بهم إلى جوهرهم فيقول: يا بني إذا رأيتم من رجل فَعلة خير رائعة فأملوا به خيراً، ولو كان في نظر الناس رجل سوء؛ فإن لها عنده أخواتٍ...
وإذا رأيتهم من رجل فعلة شرّ فظيعة فاحذروه، وإن كان في نظر الناس رجل خير؛ فإن لها عنده أخوات أيضاً.
واعلمنوا أن الحسنة تدل على أخواتها...وأن السيئة تدل على أخواتها أيضاً.
وكان يوصيهم بلين الجانب،وطيب الكلام، وبِشر الوجه فيقول: يا بني، مكتوب في الحكمة (لتكن كلمتك طيبة، وليكن وجهك طلقا، تكن أحب إلى الناس ممن يبذل لهم العطاء).
وكان إذا رأى الناس يجنحون إلى الترف، ويستمرئون النعيم يذكرهم بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من شظف العيش، وخشونة الحياة.
من ذلك ما حكاه محمد بن المنكدر قال: لقيني عروة بن الزبير فأخذ بيدي وقال: يا أبا عبدالله.
فقلت: لبيك.
فقال: دخلت على أمي عائشة رضي الله عنها فقالت:
يا بني...
فقلت: لبيك.
فقالت: والله إن كنا لنمكث أربعين ليلة ما نوقد في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بنار مصباحا ولا غيره.
فقلت: يا أمة، فيم كنتم تعيشون؟!
فقالت: بالأسودين...التمر والماء.
وبعد...فقد عاش عروة بن الزبير واحدا وسبعين عاما مترعة بالخير، حافلة بالبر، مكللة بالتقى.
فلما جاءه الأجل المحتوم أدركه وهو صائم...
ولقد ألح عليه أهله أن يفطر فأبى...
لقد أبى، لأنه كان يرجو أن يكون فطره على شربة من نهر الكوثرززز
في قوارير من فضة...
بأيدي الحور العين...

ـــــــ
المصدر: صور من حياة التابعين تأليف الدكتور عبدالرحمن رأفت باشا.